لماذا يذهب الرئيس لواشنطن ؟!كتب رئيس التحرير:بدأت بعض وسائل الإعلام العربية بإيعاز من حكوماتها انتقاد المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل أن تبدأ استناداً إلي تصريحات بنيامين نتنياهو التي أطلقها قبل يومين وعرفت بشروطه الثلاثة وهي "الاعتراف بيهودية إسرائيل وضرورة التزام الترتيبات الأمنية ونزع سلاح الدولة الفلسطينية بالاضافة إلي شرط الحدود الذي طالب فيه بمنحه حق الانتفاع بغور الأردن لمدة 90 عاماً".. ولأن شروط نتنياهو مستحيلة. فقد تشاءم العرب وقالوا ما الذي يدفع البعض للذهاب لواشنطن طالما أن المسألة محكوم عليها بالفشل؟
والحقيقة أن ذهاب الرئيس مبارك لواشنطن وحضوره المفاوضات المباشرة مع الملك عبدالله الثاني سيكون ضمانة أكيدة للفلسطينيين وتحصيناً لهم من الفيروس الإسرائيلي الذي أجهض كل المحاولات السابقة للصلح.
الرئيس مبارك لم يخذل الفلسطينيين يوماً ولم يضغط عليهم منذ بداية رحلتهم للسلام في أوسلو 1993 وحتي الآن.. كان معهم في واي ريفر والخليل وطابا 2000 وغزة - أريحا.. كل اتفاق وقعوه كان معهم ينصح ويقدم رأياً مخلصاً عن الهوي.. الفلسطينيون يحتاجون إلي وجوده معهم في لحظات تقرير المصير.
لا يمكن أن يقبل الرئيس بحل يخنق الدولة الفلسطينية الوليدة.. خبرته وتجاربه وخزائن حكمته يمكن أن تطرح دائماً حلولاً توافقية تخدم عملية السلام وتقرب وجهات النظر.
الرئيس مبارك - رغم ضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني - يعلم أن واشنطن تحتاج السلام مثلما يحتاجه الفلسطينيون والإسرائيليون.. هو يعلم أن السلام معركة لا يمكن الانتصار فيها من أول طلقة ولكنها تحتاج صبراً وتكتيكاً.
الرئيس المصري استخدم ثقله الدولي وعلاقاته وقوته الناعمة أو الدبلوماسية في اقناع الرباعية بإصدار بيان يدعو للمفاوضات بحيث تتزامن مع الانسحاب الأمريكي من العراق.. بعد 18 شهراً قضاها أوباما في البيت الأبيض أصبح يحتاج نصراً تكتيكياً يدخل به الانتخابات الرئاسية بعد عامين وانتخابات الكونجرس بعد شهرين.
مبارك القائد العسكري والزعيم السياسي يري بثاقب بصره وعمق بصيرته أن هناك مصالح مشتركة بين واشنطن وتل أبيب في المنطقة.. هذه المصالح لن تتحقق إلا إذا انتهت القضية الفلسطينية التي زادت فرصها الضائعة عن الحد الذي يمكنه إنقاذ السلام.. تشمل هذه المصالح استقرار الخليج كمصدر للطاقة وتحجيم القدرة الاقليمية والعسكرية والنووية لإيران واظهار عجز الحركات الإسلامية "حزب الله وحماس" عن وقف عملية السلام وبالتالي تفقد الكثير من مصداقيتها وشرعيتها..
قيام دولة فلسطينية مفيد لإسرائيل وإن كانت تنكر ذلك.. الرئيس مبارك قادر أن يكاشف الإسرائيليين بأن تعطيل السلام لن يكون في صالحهم.. مبارك قادر علي أن يقول للإسرائيليين إن سلاماً برعاية أمريكية أفضل من سلام برعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن وساعتها لن تعترض واشنطن علي شيء ترفضه إسرائيل لأن تل أبيب خذلت أمريكا وبالتالي لن تصمد أمام ما قد ينجم عن استياء أوروبي للتعنت الإسرائيلي.
الرئيس مبارك له سوابق كثيرة تؤكد حرصه علي الفلسطينيين.. في يوليو 2000 اتصل به الرئيس كلينتون طالبا منه التدخل لاقناع ياسر عرفات بقبول العرض المطروح عليه من إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك. لكن الرئيس مبارك قال انه لا يعرف ما هو مطروح علي عرفات ولا يمكن أن يطلب منه قبول شيء لا يعرف كنهه.. وقد غضب كلينتون وقتها. لكن الرئيس مبارك أفهمه أنه لا يستطيع - ولا أي رئيس عربي أو مسلم آخر - أن يطلب من عرفات التنازل عن أي شبر من القدس.
الرئيس مبارك يذهب إلي واشنطن مع الفلسطينيين.. قوة حقيقية تحمي ظهرهم وكشافات قوية تنير لهم طريقاً يسعي الإسرائيليون لزرعه بالألغام.
إن الذين يقولون إن مصر تضغط علي الفلسطينيين لا يعرفون أن القاهرة عندما كانت تسعي للمصالحة الفلسطينية فلم يكن ذلك لعدائها مع حماس ولكن ليجتمع الفلسطينيون علي قلب رجل واحد.. الخطر الحقيقي الآن هو انقسام العرب ففريق يدعم حماس وآخر يدعم فتح.. الانقسام العربي أخطر من الانقسام الفلسطيني خصوصاً وأن بعض العرب يستقوي بإيران.
خبرة الرئيس مبارك ورؤيته هي التي ستحدد ما إذا كانت الخطة الأمريكية الجديدة ستدخل أرشيف الحفظ إلي جوار خريطة طريق وتفاهمات تينت ومؤتمر أنابوليس أم انها ستكون خطة واقعية تلزم إسرائيل بالحل لأول مرة.
الواقعية التي يطرحها مبارك علي أوباما في واشنطن تتلخص في شيء واحد هو أن يمسك الرئيس الأمريكي بيده مفتاح القضية الفلسطينية.. والقضية عبارة عن "قفل أوتوماتيكي" يغلق معه قضايا كثيرة مثل العراق وسوريا وإيران والسودان ولبنان والصومال.. إذا أدخل الرئيس الأمريكي المفتاح الصحيح في هذا القفل.. أو إذا ضرب الأرقام التي بموجبها يتم فتح القفل الأوتوماتيكي بسلاسة. فإن أموراً كثيرة سيتم حلها وفي مقدمتها صورة أمريكا في المنطقة وقدرتها علي الحفاظ علي مصالحها.. ومحو الصورة القديمة بأنها "منحازة" واستبدالها بأنها "موضوعية"!
الرئيس مبارك سيكون موجوداً في واشنطن ليحاول أن تبتعد الرؤية الأمريكية عن المفهوم الإسرائيلي الضيق للسلام. وتقترب من الرؤية المصرية الواقعية.
اعتقد أن أوباما يدرك الآن ان القضية الفلسطينية وصلت إلي مرحلة من التعقيد لا تجعله قادراً وحده علي حلها.. لن يستطيع أوباما بمفرده مهما أوتي من قوة وتمكن أن ينهي الأزمة في غمضة عين.. أوباما ليس المهدي المنتظر أو المسيح الذي سيخلص البشرية من آلامها.. أوباما يريد أن يمد يده في يد الرئيس مبارك لتتحقق شراكة فعلية.. لن ينجح أي تحرك أمريكي في إحداث انفراجة في عملية السلام إذا ظل الأمر مقتصراً علي الزيارات والاستقبالات والمؤتمرات والندوات وبرقيات التهاني والمشاطرة والعزاء.
مصر تلعب حالياً أهم أدوارها الاقليمية في عملية السلام وهو دور لن تنافسها فيه تركيا أو إيران أو سوريا أو قطر.. انه ببساطة الملعب المصري.
لكن مصر الكبيرة والخبيرة تسعي إلي أن يكون العرب أيضا خلف محمود عباس باعتباره الممثل الشرعي للفلسطينيين.. أما إذا كانوا يريدون دعم حماس إلي ما لا نهاية. فلا يلوموا أبومازن علي مفاوضاته!