السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تربية الأولاد بين الحكمة والرحمة _17/ب
د. سعد بن عبدالله الحميد
نَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومَن يضلل، فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أمَّا بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هَدْي محمد - صلى الله عليه
وسلم - وشر الأمور مُحدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة ف
ي النَّار، يا أيها الناس، اطَّلعنا فيما مضى على مدى مَحبَّة الأبوين للولد،
ورحمتهما به، وعطفهما عليه، وذكرنا أنَّ هذا أمر يقرُّه الإسلام، ويحثُّ عليه،
إلا أنَّه ينبغي ألا تطغى مشاعر الأبوين تجاه الولد على المهمة العُظمى،
والهدف الأسمى الذي استخلف الله من أجله الإنسان في الأرض،
ألا وهو تبليغ دعوة الله في الأرض في جميع النَّواحي.
فالتاجر مبلِّغ لدعوة الله في تِجارته إذا وقف عند حدود الله، فلم يغشَّ، ولم يَخدع،
ولم يكذب، ولم يتعامل بدناءة، أو بأيِّ صورة من صور البيع المحرم.
والعامل مبلغ لدعوة الله إذا أخلص في عمله، وأدَّاه على الوجه الأكمل،
والموظَّف مبلغٌ لدعوة الله إذا أدَّى عمله كما يَجب عليه، وهكذا كل واحد
منَّا في المجال الذي هيَّأه الله له، وهكذا فإنَّ مصلحة الإسلام فَوْقَ
كل المصالح والاعتبارات، لا يثني عزم المؤمن عنها شيء.
قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ و
َأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم م
ِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]، وإنَّ أول مهمة يقوم بها المبلغ لدين الله دعوته
أهله وولده للاستقامة على منهج الله، ومَن تدبَّر كتابَ الله، وجد هذا ظاهرًا
فيه بكثرة، فها هو إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - حين حضرته الوَفاة
يُوصي بَنِيه بالتمسُّك بدين الله، وكذلك يعقوب - عليه الصلاة والسلام
- وصَّى بنيه بذلك، كما أخبر الله - جل وعلا - عنهما؛ قال تعالى: {
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا
وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 130-134].
ثم قال - جلَّ وعلا - مخاطبًا لنا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ
إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى
وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
[البقرة: 136]، وها هو لقمان - عليه السلام - يوصي ابنه بوصايا تدُلُّ على
محبة لقمان لابنه، وتمنِّيه له الخير في الدنيا والآخرة؛ يقول - جلَّ وعلا
-: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
[لقمان: 13]، ثم إضافةً إلى هذه الوصايا لا بُدَّ من الاستعانة بالله على تحقيقها
بدُعائه - سبحانه - والتضرُّع إليه، كما فعل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام –
وإسماعيل؛ قال - جل وعلا - مخبرًا عنهما: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ و
َإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ و
َمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127-128].
وفي آية أخرى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ
* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 39-41]،
وقال جل وعلا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا و
َحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي
أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]،
فهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين، فتَنَاهى عقلُه وكمُل فهمه وحلمه –
أنْ يُجدد التوبة والإنابة إلى الله - عزَّ وجلَّ - ويعزم عليها، ويدعو الله - جلَّ وعلا –
أن يلهمه شكر نعمه، ويسأله أنْ يُوفقه للأعمال الصالحة
في المستقبل، وأن يصلح ذريته المتمثلة في نسله وعقبه.
ثُمَّ قال - جل وعلا -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ
عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16]؛
أي: هؤلاء المتصفون بما ذكرنا، التائبون إلى الله، المنيبون إليه، المستدركون ل
ما فات من الذنوب بالتوبة والاستغفار - هم الذين يستحقُّون مغفرة الذنوب،
وقَبُول الأعمال الصالحة، ودخول الجنة، وها هو زكريا - صلوات الله وسلامه عليه –
يسأل ربَّه الذرية الطيبة الصالحة؛ كما قال - جلَّ وعلا - عنه: {هُنَالِكَ دَعَا
زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} [آل عمران: 38]،
فليس المهم أن توجد الذرية، وإنَّما المهم أن تَصلُح هذه الذُّرِّية؛ حتَّى يكمل
النعيم بالاجتماع بهم في الدار الآخرة؛ وذلك لأنَّ الله - سبحانه - يلحق الأبناء
بآبائهم في الجنَّة؛ كما قال - جل وعلا -: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
أمَّا إن كان الولد خارجًا عن طاعة ربِّه، فلا خير فيه؛ لأنَّ طريقه طريق المغضوب
عليهم، وها هو نوح - صلوات الله وسلامه عليه - يعظُ ابنه، ويأمره بما فيه صلاحه،
فيرفُض الابن طاعة أبيه، فيدركه الهلاك، فيتبرأ نوح - عليه الصلاة والسلام - منه؛
لأنَّه ليس على طريقه ومنهجه؛ قال - جلَّ وعلا - عن نوح - عليه الصلاة والسلام –
وابنه حينما ركب في السفينة، وأدرك الغرقُ قومَه: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي
مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي
مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ
مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 42-43]، إلى أنْ قال - جل وعلا -: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ
رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ
أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ
عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 45-47].
وقد كان السَّلف يَحرصون على تربية أبنائهم أيَّما حرص، وكانوا يجعلون لهم
المربين الفُضلاء، الذين يعلمونهم كتابَ الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
ويعلمونهم الأخلاق الفاضلة، وكانوا حريصين على مكانة الرَّابطة بينهم وبين
مُؤدبيهم، فكانوا يحزنون إذا غابوا عن الأولاد فترة بسبب من الأسباب؛ لخوفهم
على أولادهم ألا يُؤدبوا على ما يُريدون ويشتهون، وقد بعث الخليفةُ العباسي
المنصور إلى مَن في الحبس من بني أمية مَن يقولُ لهم: ما أشدُّ ما مَرَّ بكم في
هذا الحبس؟ فقالوا: "ما فقدنا من تربية أولادنا"، ولمَّا دفع هارون الرَّشيد
ولَدَه الأمين إلى المؤدب، قال له: "يا أحمر، إنَّ أمير المؤمنين قد دفع إليك
مُهجةَ نفسِه، وثمرة قلبه، فصيَّر يدَكَ عليه مبسوطة، وطاعتَك عَليه واجبة،
فكُن له بحيث وضَعَك أمير المؤمنين، أقرِئه القُرآن، وعرِّفه الأخبار، وروِّه الأشعار،
وعلمه السنن، وبصِّره بمواقع الكلام وبَدْئه، وامْنعه من الضَّحِك إلاَّ في أوقاته،
ولا تَمُرَّنَّ بك ساعة إلا وأنت مُغتنِمٌ فائدة تفيده إيَّاها من غير أنْ تُحزنه،
فتُميت ذِهْنَه، ولا تُمْعِنَّ في مُسامحته، فيستحليَ الفراغ ويألفه، وقَوِّمه
ما استطعت بالقرب والمُلاينة، فإنْ أَبَاهَا، فعليك بالشِّدَّة والغلظة".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونَفَعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر
الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ أن لا إله
إلا الله وحْدَه لا شريك له؛ تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
الدَّاعي إلى رضوانه - صلى الله عليه وعلى آله - وصحبه وإخوانه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
أيُّها الناس، فإنَّ تربية الأولاد التي يتساهل فيها مُعظم الناس اليومَ عليها
مدار عظيم في إدارة شؤون الأمة، فهذا النَّشْءُ إن تساهلنا في تربيته اليومَ،
فهو الذي سيدير دفَّة الأمة غدًا، فإنْ أدَّبْناه بأدب الإسلام، وإلا تأدَّب بأدب
من يَحتكُّ به من القُرناء، ومن يَحرص على تربيته من الناس الآخرين،
فها هي الصُّحف تُطالعنا بحرص أعداء الإسلام على أخد أطفال المسلمين
وتربيتهم عندهم، فقد كان الاتِّحاد السوفيتي قديمًا يأخذ الآلافَ من أولاد
الأفغان، ويُدرِّس لهم في مدارس موسكو، فما ظنُّكم بالمعلومات التي غُذَّى
بها هؤلاء الأطفال؟! هل تتوقعون أن تكون سوى الإلحاد وإنكار الخالق –
سبحانه - والتربية على مساوئ الأخلاق، ومواطن الرذيلة؟!
وها هي الجمعيات النَّصرانية تحتضن أبناءَ الفِلسطينيين والذين قُتلوا في
لبنان، وتُبدي استعدادَها لتربيتهم والإنفاقَ عليهم؛ لتعذيبهم بالأفكار
النَّصرانية المبنية على الكُفْر والضلال والعَدَاء لدين الإسلام؛ حتَّى يعودوا
فيقودوا أمَّتهم إلى دَرْك الشقاء ومَهَاوي الانحطاط، أين كان المسلمون حين
استعدَّ الأعداءُ لتلقِّي أولئك الأطفال الذين فَقَدوا مَن يقوم بتربيتهم؟!
وأين هو الواجب الذي يُمليه علينا دينُنا من حيثُ التكاتُفُ والتعاوُن على البرِّ والتقوى؟!
ذلك لأنَّنا عجزنا عن تربية أنفسنا وأولادنا، فكيف نقوى على القيام بتربية
أولاد الآخرين؟! إنَّ كثيرًا من أبناء المسلمين اليومَ - وللأسف - يعيشون في تيهٍ وضياع؛
نتيجةَ الإهمال وسوء التربية، إنَّ شبابَ الأمة إذا فسدوا، انْهَدَم بناء الأُمَّة،
وتسلَّط عليها أعداؤها، ومن ثَمَّ تكون مُعرضة للزَّوال، وإنَّ مما يُدمي القُلُوب
ويُبكي العيون: ما نشاهد من شباب المسلمين اليومَ، من تَمرُّد على آبائهم،
وانحرافٍ في أخلاقهم، وفسادٍ في دينهم، تُغريهم تلك التجمُّعات في الشَّوارع
وعلى الأرصفة، وفيها من البلاء الظاهر تركُهم لصلواتٍ وإيذاؤهم للناسِ
داخلَ البيوت وخارجها، أمَّا البلاء الباطن، فقُل ما شئتَ، فهناك مَن يُروِّج
بينهم تعاطي الدُّخان والمخدِّرات، والفساد في الأخلاق، والوُقُوع في الفواحش،
والفساد في الاعتقاد؛ بل استشرى شرُّهم، وعظُم فقرهم؛ حيثُ أصبحوا
يُهدِّدون من يُحاول نُصحهم بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
فيا عباد الله:
انتبهوا لتلك المخاطر، وقوموا لدفعها والتخلُّص منها بكُلِّ جد وحزم،
فالمسؤول بقوة السُّلطة، والتأديب الرَّادع، والأدب بالأخذ بيد أولاده ومنعهم منها،
والمعلم في المدرسة بالتَّوجيه، وبيان أضرار هذه التجمعات في أحيائهم، والشَّباب
الصَّالحون بمُناصَحَتِهم بما يناسبُ سنَّهم، ومُحاولة التأثير عليهم، وجَذْبِهم
لأماكن يَجدون فيها ما يدفع عنهم الضَّرر، ويجلب لهم الخير - بإذن الله –
لأنَّ قبول الشاب من شاب مثله في السنِّ أكثر من قَبوله ممن هو أكبر منه،
فاتَّقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنَّكم في زمان فتن، وأنَّكم تعيشون بين أعداء،
وأنَّ أهل الشر ينشرون شرَّهم بينكم بمكرٍ دقيق، ودهاء خبيث،
واعلموا أنَّ أعظمَ ذكر لكم، وأنفعَ ثَرْوَة تحصلون عليها من دُنياكم بعد العمل الصالح –
هم أولادكم؛ كما في الحديث الذي رواه مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:
((إذا مات الإنسانُ، انقطع عمله إلاَّ من ثلاثة:
إلاَّ من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له)).
إنَّ أولادكم هم الذين يقومون عليكم عند كِبَرِكم وعجزكم، وهم
الذين يخلفونكم في المحافظة على مَحارمكم، إنَّهم أنفع لكم من الأموال،
فكيف تَدَعونهم ولا تهتمون بشأنهم؟! إنَّ الإنسان ليأسف ويعظم خجله
عندما يرى الكُفَّار يُعْنَون بتربية أولادهم التربية المادية الدُّنيوية، فلا يتركونهم
يلهون في الشوارع، ولا يدعون لهم فراغًا من الوقت؛ بل ينظمون لهم حياتهم
تنظيمًا دقيقًا، أمَّا الكثير من المسلمين - وللأسف - فلا يهمه من شأنِ ابنه إلاَّ أنْ
يسميه عند الولادة، ويُوفر له الطعام والشراب والكسوة والمسكن، ولا يهتم
بما وراء ذلك؛ بل إنَّ بعضهم يوفِّر للأولاد أسبابَ الفساد، فيملأ جيبهم بالنُّقود،
ويشتري لهم السيارة، ويَملأ البيت بآلاتِ اللهو والأفلام الخليعة، فلا تسألْ بعد
ذلك عمَّا ينشأُ عليه الأولاد الذين وُفِّرت لهم هذه الوسائل من فسادٍ خُلُقي
وانْحرافٍ فكريٍّ، وبهيمية عارمة، ولا تسأل عمَّا يلحق آباءهم من إِثْم،
وما يُصيبهم من حسرة عندما يواجههم أولادُهم بالعيوب، وعندما يحرمون
من نفعِهم عندما يُدركهم الكِبَر، ويحتاجون إليهم؛ فإنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العمل.
نسألُ الله - جل وعلا - أنْ يصلحَ نيَّاتنا وذرِّياتنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي
هو عِصْمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي
إليها مَعادنا، واجعل اللهم الحياة زيادة لنا في كلِّ خير، واجعل الموت راحةً لنا
من كل شرٍّ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّركَ والمشركين، وانصر عبادَك
الموحدين في بَرِّكَ وبَحْرِك أجمعين، اللهم أصلح مَن كان في صلاحه صلاح الإسلام
والمسلمين، وأهلك من كان في بقائه فساد الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه
الأمة أمْرَ رشد يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه
بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، وأقم الصلاة إنَّ الصلاة تنهى
عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون